استأنفت اللجنة العسكرية العراقية العليا، اجتماعاتها مع قوات التحالف الدولي في بغداد، لتقدير الموقف العسكري ومستوى الخطر وسط تطلعات يرسمها مراقبون لبقاء مستدام للولايات المتحدة الأميركية ودول التحالف في العراق.
تأتي هذه التطورات في أعقاب تراشق لفظي بين مجموعة من النواب الشيعة والسنة والكرد على خلفية مقاطعة جلسة للبرلمان كانت مخصصة لتشريع قانون “طرد القوات الأميركية” وبدت الصدمة على بعض نواب الإطار التنسيقي لعدم حضور زملائهم في التحالف نفسه إلى الجلسة الأخيرة، حيث غاب أكثر من 100 نائب شيعي.
ويحاول الإطار التنسيقي المضي في طريق الحلول الدبلوماسية في المواجهة المستمرة منذ أكثر من 3 أشهر بين القوات الأميركية والمجموعة العراقية التي تسمي نفسها بـ “المقاومة”.
ويسعى الإطار بحسب مصادر سياسية مطلعة تحدثت لـ “جسور” إلى “سلوك الطرق الدبلوماسية في التعامل مع الوجود الأميركي وعدم التصعيد، وبأنه قد يأخذ وقتًا طويلًا ربما أشهراً أو سنوات.
وتشير المصادر إلى أن هناك مخاوف من “عودة سيناريو احتجاجات تشرين” التي تعتقد بعض الأحزاب الشيعية أن واشنطن كانت وراءها وقد تسببت بإسقاط حكومة عادل عبد المهدي.
كما أن الخشية الأكبر تتمثل في توسع العقوبات الاقتصادية بعد وضع 8 مصارف عراقية في اللائحة السوداء، سبقتها عقوبات على 14 مصرفا عراقيا آخر.
وفي الأسبوع الماضي، طالب وزير الخارجية فؤاد حسين في اتصال هاتفي تلقاه من نظيره الأميركي أنتوني بلينكن بإعادة النظر في العقوبات التي فرضتها الخزانة الأميركية.
وتشير المصادر إلى أن “الزعماء الشيعة يتعرضون الآن لاتهامات بالخيانة من قبل فريق المقاومة، خصوصا بعد مقتل أبي باقر الساعدي القيادي في الكتائب”. وبدأت منصات إخبارية قريبة من “المقاومة” بنشر أخبار عن تورط قيادات شيعية في مقتل الساعدي، وبأن الأخير كان في منزل هادي العامري، زعيم منظمة بدر قبل مقتله بوقت قصير.
صدمة جلسة البرلمان
وزاد الغضب الشيعي على الأحداث الأخيرة بعد مقاطعة السُنة والكرد جلسة السبت الماضي، التي كان يحاول فيها الفريق الأول تشريع قانون جديد لـ “طرد القوات الأميركية”، بحسب وصفهم.
وبدأ علي الساعدي النائب المقرب من “الإطار” بالصراخ داخل قاعة البرلمان، بحسب فيديو انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، بسبب مقاطعة القوى السُنية والكردية.
بالمقابل هدد النائب فالح الخزعلي، القيادي في كتائب سيد الشهداء (احدى اضلاع المقاومة) في تغريدة على منصة إكس، بكسر نصاب أية جلسة لانتخاب رئيس البرلمان ردا على عدم حضور النواب السنة للجلسة.
وفي تهديد للقوى الكردية، قال مصطفى سند النائب “الإطاري” إنه تم “تشكيل لوبي من بعض النواب الشيعة لمنع أي تعديل بالموازنة من شأنه رفع حصة الإقليم الذي سترسله الحكومة بتعديل الجداول”.
وانتهت جلسة السبت، إلى طلبٍ وجهه رئيس البرلمان بالنيابة محسن المندلاوي، إلى الحكومة لتنفيذ قرار البرلمان السابق (في عام 2020) المتعلق بإخراج القوات الأجنبية من العراق، بحسب بيان للدائرة الإعلامية للمجلس.
ولم تذكر الدائرة عدد النواب الذين حضروا، لكنها اكتفت بالقول إن المندلاوي “أحال طلبا موقعا من أكثر من 100 نائب إلى لجنتي (القانونية والأمن والدفاع) يخص مقترح قانون لإخراج القوات الأجنبية”.
لكن بحسب بعض المصادر فإن الحضور كان 77 نائبا فقط من أصل 329، وهم في الغالبية العظمى من الإطار التنسيقي الذي يضم 180 نائبا.
عودة المفاوضات مع واشنطن
وعن استئناف المفاوضات العراقي- الأميركية يقول أستاذ السياسات العامة في جامعة بغداد إحسان الشمري في حديث لـ “جسور”: “لا أتصور هناك اختلاف في طبيعة المفاوضات عما كنت عليها قبل تعليقها خصوصًا وأن الاتفاق الموجود على إنهاء دور التحالف هو مع الانتقال إلى بقاء مستدام باتفاقات ثنائية”.
ويشير الشمري إلى أن واشنطن لن ترضخ لضغوط تحاول الفصائل إثارتها بعد مقتل أبي باقر الساعدي ويضيف: “لا أعتقد أن الولايات المتحدة ستقبل بشروط من قبل العراق، والحكومة العراقية تدرك جيدا بأنها لا تمتلك قدرة على فرض شروط على الجانب الأميركي، وسيثمر رئيس الحكومة محمد شياع السوداني في النظر إلى طاولة مفاوضات بأنها طوق نجاة له ويحاول بالمقابل استرضاء الفصائل التي يبدو أنها غير مقتنعة بأداء الحكومة”.
ويعتقد الشمري أن الولايات المتحدة ستكون أكثر تشددًا لأنها تجد بأن “الفصائل المسلحة صارت أكثر قدرة وتمكينًا في إدارة الدولة واتخاذ القرارات الرسمية وهذا لا يمكن أن تتعاطى معه أميركا، فيما تبدو الصورة التي تشكلت لديها أن هذه الحكومة عاجزة عن كبح الفصائل أو تقويض عملها ولذلك قد تفرض واشنطن اشتراطات جديدة لكن هي ذاهبة لبقاء مستدام، ربما اشتراطات فنية حول بقاء هذه القوات من حيث الدفاع عن نفسها والحصانة، هذه أمور يتم تحديثها في المفاوضات”.
ويقول رئيس مركز التفكير إن “عودة عمليات المقاومة سيلتقي بظلالها على أجواء الحوارات وإذا ما كان هناك هجمات قاتلة مرة أخرى أو استهداف للبعثات الدبلوماسية فواشنطن لن تتردد في تعليق المفاوضات من جديد”.
وكانت ما يسمى بـ “المقاومة” قد دعت عقب مقتل ابو باقر الساعدي، الى انضمام باقي الفصائل لمواجهة القوات الاميركية وتعليق الهدنة القصيرة.
ويؤكد الشمري أن “الحكومة العراقية باتت اليوم الطرف الأضعف وغير قادرة على إيجاد فارق في موضوع الاستقرار الامني بالتالي باتت أميركا تنظر الى أن العراق يتحول تدريجيًا في حكومة السوداني الى دولة مقاومة ضد أميركا ولذلك أمر تعليق المفاوضات يبقى واردًا خصوصا بعد بيان المقاومة”.