مبادرة شراء السلاح من العراقيين.. بحث عن إبرة في كومة قش!

في خطوة مكررة المعنى والتطبيق على مدى السنوات الماضية، أعلنت الحكومة العراقية عن عزمها شراء الأسلحة الخفيفة والمتوسطة من المواطنين كافة في مختلف أنحاء العراق التزاماً منها بورقة المنهاج الحكومي الذي كتبه محمد شياع السوداني أثناء تكليفه بمنصب رئيس الوزراء العراقي عام 2022..

بداية قصة السلاح في العراق كانت عندما تم الإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003، إذ انتعشت تجارة السلاح غير المشروعة في أنحاء البلاد، وكانت الأسلحة المنهوبة من مراكز الشرطة والقواعد العسكرية، تباع في الشوارع والمناطق العامة للسكان الراغبين في حماية أنفسهم أو لعتاة المجرمين والقتلة في دولة غاب عنها القانون إلى حد كبير آنذاك.

وفي المقابل، كانت السلطات تكافح منذ ذلك الوقت لكبح مبيعات الأسلحة غير القانونية، وكثفت الحكومات المتعاقبة جهود حصر الأسلحة لكن دون جدوى، حتى وصلت السلطات العراقية لقناعة تقنين حيازة هذا السلاح عندما أعطت رخصة بيع الأسلحة الشخصية علناً في محلات الأسلحة المرخصة.

تكرار تجارب مستنسخة، لا طائل منها!

في وقت سابق، قال وزير الداخلية العراقي، عبد الأمير الشمري، في تصريحٍ صحافي “إن وزارة الداخلية تعمل بخطين، الأول يتمثل بتسجيل الأسلحة الخفيفة في مراكز الشرطة من خلال إطلاق استمارة إلكترونية، والخط الثاني شراء الأسلحة المتوسطة والثقيلة بعد أن جرى تخصيص مليار دينار لكل قيادة شرطة محافظة”.

ورغم إشادة بعض المراقبين ومؤيدي الحكومة الحالية، إلا أن العديد من المحللين يرون بأن المبادرة ليست سوى حركة لإلهاء الناس عن مشاكل البلاد السياسية الرئيسية ولترويج وجود منجز سياسي للحكومة الحالية، أو حتى محاولة هزيلة لإعادة سيناريوهات سابقة عايشها الشعب العراقي بعد سقوط النظام السابق… وهي مبادرات لم تصل إلى نتائج ملموسة فعلا في وقتها كما حدث في أعوام 2004 و 2005 عندما حاولت حكومة إياد علاوي بالتعاون مع قوات الاحتلال الأمريكي شراء السلاح من أفراد جيش المهدي التابع لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، غير أن الذي حدث هو أن أفراد جيش المهدي لم يبع سلاحه رغم فقر الحال الذي يعيشه اتباع التيار الصدري، وحتى من باع سلاحه منهم فإنه باع السلاح الخفيف الذي بحوزته واحتفظ بالسلاح المتوسط وحتى الثقيل.

أي وبتعبير أوضح، لم تُطبّق المبادرات الشبيهة السابقة أو لم تنجح في مجتمعٍ شرقي يرى في السلاح هوية وحماية وجزء من شخصية الفرد ومصدر قوة في خضم استمرار الأزمات السياسية والمجتمعية والعشائرية التي تستدعي وجود سلاح خاص وقبلي من أجل حماية النفس وحماية المنطقة والعائلة، وهذا ما يفسر كثير الصراعات العشائرية التي تتكرر كثيرًا وتبرز في مناطق محددة.

كذلك، فإن هذه المبادرة هي استنساخ لتجارب في دول أخرى لم تنجح اطلاقاً في هذا الصدد كما حدث في بعض الدول الأفريقية مثل السودان ونيجيريا وغيرها التي لا زالت تعاني من الإرهاب الذي يتسبب فيه التفلت في انتشار السلاح بين الأفراد والجماعات.

مخاوف من غسيل أموال وتهريب عكسي للسلاح

من الممكن أيضًا أن تستغل عصابات غسيل الأموال الخارجة عن القانون، والتي تورطت في سرقة الأموال العامة، فرصة هذه المبادرة لتعزيز تأمين أموالها من خلال شراء الأسلحة من مصادر مختلفة، بما في ذلك من الخارج، ثم بيعها للدولة العراقية بفواتير رسمية. ويكون بذلك قد تمكنت من غسل أموالها بشكل رسمي.

ويُطبّق السيناريو ذاته على شبهات التهريب العكسي للأسلحة الرخيصة داخل العراق، حيث تُباع كأسلحة شخصية مقابل أموال تحقق أرباحًا، ما يُعتبر من مهام عصابات التهريب التي تستخدم كافة الوسائل الممكنة لتحقيق مكاسب مالية بطرق ملتوية.

ماذا عن السلاح الحزبي أو الميليشيوي؟

يتبادر إلى الذهن كذلك سؤال مهم جدًا وهو عن سلاح الميليشيات والسلاح الحزبي الذي يتواجد في العراق بشكل شبه رسمي ومباح بشكل كامل وغير مستغرب، هذا السلاح طالما كان موجودا في أوقات سابقة تم استخدامه خدمةً لأجنداتٍ حزبية وطائفية خاصةً عندما يتهدد وجود هذه الأحزاب في السلطة التنفيذية والتشريعية، وأسوء مثال ما حدث في انفلات هذا السلاح بشكلٍ فاضح في أحداث تشرين عندما تم استهداف المتظاهرين وقتل 800 منهم في تلك التظاهرات الشعبية، كذلك في أحداث المنطقة الخضراء عام 2022 عندما دخل الصدريون البرلمان العراقي رفضاً لتكليف محمد شياع السوداني رئيسا للحكومة، وهو ما أدى إلى حدوث صراع عسكري صريح بين الميليشيا التابعة للصدر من جهة والميليشيات الموالية للإطار التنسيقي في أسوأ صورة ممكن أن يراها المواطن العراقي من انفلات السلاح!

عطفا على ذلك فإن الكثير من المراقبين يرون أن العراق مهدد بأنجرار الأوضاع الأمنية كما في السودان، الذي استفحل السلاح فيه حتى هدد مصير الدولة بالانهيار التام خاصةً بعد حدوث الصراع الحالي بين الجيش السوداني وميليشيات الرد السريع المستمر منذ قرابة عام تقريبًا!

فهل سيستطيع وزير الداخلية الحالي المعروف بمهنيته العسكرية العالية بحصر السلاح المنفلت فعلاً؟

في بلد يباع السلاح فيه حتى بالفيسبوك، حيث يتم تقديم عروض مغرية للمستهلكين، بأن يكون مع كل قطعة سلاح تُشترى وجود 4 رمانات هجومية هدية!

Exit mobile version