ثقافة وفن

في العيد الـ 87 لاذاعة بغداد.. أمل المدرس اقدم مذيعة فيها لرووداو: السبعينيات العصر الذهبي للإعلام العراقي منذ 11 ساعة

يأتي صوتها صافيا وواضحا، بلغة نقية من كل شائبة او خطأ لغوي، متلونا حسب الحركات الإعرابية، لا تكسر او تجزم او تضم الا حسب الضرورات النحوية.. تتحدث عبر الهاتف وكأنها تقدم برنامجا اذاعيا، حتى اني كمستمع على الجهة الأخرى من الهاتف تمنيت ان يطول اللقاء وهي تنقلنا الى سنوات الاعلام الذهبية عندما كانت وما تزال هذه المذيعة ومقدمة البرامج سيدة المايكرفون بلا منازع.
أقدم مذيعة
أمل المدرس، أقدم مذيعة في راديو (إذاعة) بغداد واكثرهم شهرة، منذ ان بدأت العمل الإذاعي قبل 61 عاماً وهي ما تزال متواصلة مع جمهورها الذي يتابعها بحرص من خلال اذاعة بغداد، فهي تؤكد أن “الاذاعة هي بيتي الأول واتمنى ان ابقى متواصلة معها باستمرار، وافضلها على العمل في التلفزيون”.
في العيد 87 لراديو بغداد، وصفت أمل المدرس، اقدم مذيعة ومقدمة برامج في إذاعة بغداد، الاعلام “سابقا كان هادفا وملتزما ومهنيا، اما اليوم فبعض، ان لم اقل غالبية من الاعلاميين، لا علاقة لهم بمهنة الاعلام ووصلوا حد السفاهة خلال تقديمهم للبرامج وانا اؤكد ان السبعينيات هي العصر الذهبي للاعلام العراقي”.
وقالت المدرس لشبكة رووداو اليوم الاحد ( 2 تموز 2023): “الاعلام علم وفن وليس كل من جلست او جلس امام المايكرفون صار اعلامياً، فنحن تدربنا سنوات طويلة على ايدي خبراء ومهنيين حتى تمكنا من التحدث امام المايكرفون وكنت في البداية مذيعة ربط، اي اقدم الاغنية واذكر اسماء المطرب وكاتب الكلمات والملحن فهذا من حقهم، قبل ان اقدم برامج طويلة ومهمة”.
الصدفة لعبت دورها 
لم تكن امل المدرس تفكر بالوصول الى بناية “مديرية الاذاعة والتلفزيون”، هكذا كان اسمها، فالمسافة: “كانت بعيدة بين بيتنا في حي النواب بالكاظمية حيث كنا نسكن وحي الصالحية حيث كانت الاذاعة والتلفزيون، ولماذا اذهب الى هناك فانا لم افكر بالعمل فيها خاصة في بداية عام 1962، إذ كنت ما ازال في الدراسة المتوسطة”. لكن حدث ما ليس في الحسبان، عندما: “طلبت مني صديقتي وزميلتي، الفنانة المعروفة اليوم، ان أرافقها للإذاعة وكانت تريد التقديم للعمل في قسم التمثيل انذاك وكان المديرهو عبد الجبار ولي اذ كانت الاذاعة مدمجة مع التلفزيون وخلال وجودي معها طلب مني مدير الإذاعة والتلفزيون ان اتقدم للاختبار ايضا بصفة مذيعة فوافقت وقرأت موضوعا قدمه لي هو ولدى سماعه صوتي وافق مباشرة على تعييني باجور شهرية لانه لم يتمكن من توظيفي لصغر سني وكان علي ان انتظر حتى بلغت الـ 18 سنة ليتم تعييني على الملاك الدائم”، موضحة: “تم تعييني في قسم التمثيليات والبرامج الخاصة، وكان جديدا ومهما لانه يمثل الإذاعة بكاملها اي انه القسم الذي تصدر عنه البرامج المنوعة والثقافية والسياسية وجميع انواع البرامج وكان عبد الله العزاوي، وهو مخرج مهم يرأس هذا القسم وانا اعتبر هذا القسم المدرسة التي استطعت ان أتخرج منها إذ كانوا يعلمونا الإلقاء واساليب التقديم الاذاعي والتلفزيوني”.
الاعلام بين الامس واليوم
تضيف امل المدرس قائلة: “كان لإذاعة بغداد تقاليد مهنية راقية جدا، حيث كان يجب ان نخوض فترة من التدريب في الصوت والالقاء واللغة العربية، وكان هناك مشرف لغوي صارم يجلس معنا في الاستوديو ليصحح اي خطأ لغوي وكان على المخرج الاذاعي ان يعيد التسجيل حتى 100 مرة من اجل ان يكون البرنامج المسجل واضحا وبلا اخطاء لغوية، اما ما يبث على الهواء مباشرة، واهمها نشرات الاخبار، فكانت تصحح لغويا ويتم ضبها ثم نقرأها لمرات عدة قبل البث وكان هناك من يراقبها خلال البث وفي حالة حدوث خطأ تتم معاقبة المذيع المخطئ بقطع مبلغ من راتبه، وانا كنت حريصة على التعلم اذ كنت اتابع عن قرب (الصق به) العلامة اللغوي الكبير مصطفى جواد الذي كان يقدم اشهر برنامج اذاعي (قل ولا تقل)”، منوهة الى انه “لم يكن من السهل ان يصل المذيع الى درجة قراءة الاخبار الا بعد ممارسة طويلة وتدريب مكثف لان الاخبار موضوع سياسي والاذاعة او التلفزيون حساسة واي خطأ يعرض ربما البلد لمشكلة، وانا كنت من اوائل المذيعات اللواتي قدمن نشرات الاخبار من خلال شاشة التلفزيون، وقبلي بفترة بسيطة كانت الزميلة غلاديس يوسف، للاسف نرى اليوم بعض الفضائيات والإذاعات يأتون بمن يسمونهم مذيعين من الشارع الى قراءة نشرات الاخبار”.
برامج في الذاكرة
قدمت أمل المدرس على مدى 61 عاما من عملها الاعلامي الكثير من البرامج، غير قراءة الاخبار من خلال تلفزيون العراق، تقول:” قدمت على مدى 37 سنة برنامج تلفزيوني (10 دقائق) وكان من انجح البرامج وتوالى على اخراجه العديد من الزملاء، ومن خلال الاذاعة قدمت لسنوات طويلة برنامج (من حياتي)، اخراج شكري العقيدي، حيث كانت تصلنا رسائل كثيرة من المستمعات والمستمعين يكتبون فيها مشاكلهم ومعاناتهم الحياتية التي تتحول الى مسامع تمثيلية، وكنت اقوم بدور الراوية للاحداث”، مشيرة الى أنه “في الثمانينات كنت اول مذيعة تترأس قسم المذيعين وكنت اول مذيعة في لجنة اختبار المذيعين”.
موقف محرج مع صدام حسين
تتحدث اقدم مذيعات اذاعة بغداد عن أكثر المواقف احراجا التي تعرضت لها خلال البث المباشر، تقول: “في نتصف الثمانينات، خلال الحرب العراقية الايرانية، كنت اقدم نشرة الاخبار الرئيسية في تلفزيون العراق، وكان هناك لقاء لصدام حسين مع مجموع من الضباط، ونحن نسمي هذه اللقاءات او اي حدث لـ(الرئيس) بـ(النشاط)، وهذه فقرة حساسة للغاية، وكانت من عادتي ان اجلس في مكاني امام الكاميرا حتى لو استمر النشاط 3 ساعات، حيث يكون الصوت منقطع في الاستوديو، وحدث خلال ذلك ان دخلت زميلتي خمائل محسن (اغتيلت على ايدي الارهابيين عام 2007) وسلمت علي، فرددت عليها انا (أهلا ..أهلا)، في هذه الاثناء كان صدام حسين قد دخل الى القاعة للقاء الضباط وقال: (السلام عليكم) وجاء صوتي (اهلا..اهلا) بمثابة الرد عليه، وسمع الجميع صوتي لأن مهندس الصوت نسى قطع الصوت وقتذاك، حتى ان صدام قال: (ما عدنا هنا نساء) وابتسم.. طبعا انفتحت تحقيقات مباشرة ولم استطع النوم تلك الليلة، فالموضوع يخص رئيس البلد، صدام حسين، (مو لعبة)، بالرغم من ان الجميع عرف ان الخطأ من مهندس الصوت.. في اليوم التالي اتصل صدام حسين وتحدث معي وشرحت له الأمر.. وانتهى الموضوع حيث لم يتم معاقبة اي شخص بما فيهم مهندس الصوت”.
محاولة اغتيال.. وتكريمات
وكانت امل المدرس قد تعرضت لمحاولة اغتيال عام 2007 عندما هاجمها ارهابي من تنظيم القاعدة امام بيتها في حي الخضراء ببغداد، بسبب عملها في الاعلام واطلق باتجاه رأسها اربعة اطلاقات، لكن لحسن حظها ان الإطلاقات جاءت في رقبتها وتسببت في عجز نسبته 90%، واستغرق علاجها ما يقرب من العشر سنوات في بلدان عدة.
عن الجوائز والتكريمات، قالت امل المدرس: “انا حصلت على لقب مذيعة القرن بحلول القرن21.. وامرأة العام من قبل منظمة (امرأة العام البريطانية) لعامي 2004 و2018 وتم التكريم في لندن. كما تم تكريمي من قبل جامعة الدول العربية كأفضل إعلامية عراقية عام 2017 وتم التكريم في جامعة الدول العربية، وقبل اسبوعين تم تكريمي من قبل اتحاد الاذاعات العربية في تونس باعتباري (سيدة الاثير)، وهناك من ذهب لاستلام الجائزة بدون علمي”.
ثاني اذاعة عربيا
من الجدير بالذكر ان إذاعة بغداد هي ثاني محطة اذاعية سُمِع صوتها في الوطن العربي بعد إذاعة القاهرة حيث افتتحت رسميا بتاريخ 1 تموز  1936، وكانت تُسمّى في أواخر الأربعينات” محطة بغداد للإذاعة اللاسلكية (محطة الحكومة)”.
وكان للملك غازي إذاعة بسيطة مصغرة في قصر الزهور يرضي بها هوايته الشخصية، فاتجهت النية إلى جعلها إذاعة رسمية للدولة، وقد بدأ الإعداد لها بالفعل وتم افتتاحها باحتفال كبير. و عند افتتاح الإذاعة ترك الناس بيوتهم وتجمهروا في الساحات العامة التي نصبت فيها أجهزة الاستقبال لمعايشة بداية هذا الإنجاز العظيم. وزحفت جموع من الرجال والنساء والأطفال إلى منطقة الصالحية في بغداد ليشاهدوا المحطة التي ترسل ذلك الكلام والغناء والموسيقى، لكنهم لم يشاهدوا سوى مبنى صغير يقف شرطي واحد على بابه ولا شيء غير ذلك. لم تكن المحطة سوى غرفة المدير واستوديو للمذيعين وآخر للموسيقى والغناء والقرآن الكريم وكانت تذيع ثلاث مرات في الأسبوع أيام السبت والاثنين والخميس ساعة في الصباح وساعة في المساء وكانت مرتبطة بوزارة الأشغال والمواصلات.
الملك فيصل الثاني في مديرية الاذاعة والتلفزيون
 
أم كلثوم تشتكي على اذاعة بغداد
ومن الطرائف التي ذكرها المذيع الرائد محمد علي كريم: “أن السيدة ام كلثوم قدمت شكوى ضد إذاعة بغداد عن طريق وزارة الخارجية رافضة طريقتنا في نقل حفلاتها من اذاعة القاهرة، وقد اجبنا على شكواها بان قانون الملكية الفنية المعمول به في العراق يجيز لنا نقل ما نريد كما يجيز النقل عنا لأن الوطن العربي واحد ولا فرق بين بلد عربي وأخر”. وقال: “وقد عاتبتني السيدة ام كلثوم شخصيا عندما كنت احضر حفلتها الغنائية في القاهرة في (6 كانون الاول 1956) بعد أن أطرت العراقيين ووصفتهم بأوصاف جميلة أمام الجالسين معها ومنهم الشاعر احمد رامي، وقد أجبتها بأنها هبة من الله وان كل قطر عربي له حصة فيها ونحن بنقلنا لأغنياتها نأخذ حصتنا مقدماً.. وقد حكمت السيدة أم كلثوم وقالت: حسنا انقلوها ولكن بطريقة فنية (نظيفة) لا تؤثر على الأغاني”.
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى