يومُ التَّروِيَةِ: مَحَطَّةٌ إِيمَانِيَّةٌ قَبْلَ الوُقُوفِ الأَعْظَمِ

اللَّهُمَّ
فِي يَومِ التَّروِيَةِ هـٰذا:
«ارْوِ أَهْلَ غَـزَّةَ،
أَطْعِمْهُم مِن جُـوعٍ،
وَآمِنْهُم مِن خَـوفٍ».. آمِينَ
يومُ التَّروِيَةِ:
مَحَطَّةٌ إِيمَانِيَّةٌ قَبْلَ الوُقُوفِ الأَعْظَمِ
يُعَدُّ يَومُ التَّروِيَةِ، اليَومَ الثَّامِنَ مِنْ شَهرِ ذِي الحِجَّةِ، مَحَطَّةً إِيمَانِيَّةً مُهِمَّةً فِي رِحْلَةِ الحَجِّ، فَفِيهِ تَتَّجِهُ أَفْئِدَةُ حُجَّاجِ بَيتِ اللّٰهِ الحَرَامِ إِلَى مِنَى، استِعدادًا لِلوُقُوفِ الأَعْظَمِ فِي عَرَفَةَ. وَفِي هٰذَا اليَومِ، يُجَدِّدُ الحَاجُّ المُتَمَتِّعُ إِحرَامَهُ، بَينَمَا يَبْقَى الحَاجُّ المُفْرِدُ وَالقَارِنُ عَلَى إِحرَامِهِمَا الأَوَّلِ، تَأَسِّيًا بِسُنَّةِ المُصْطَفَى ﷺ.
أَصْلُ التَّسْمِيَةِ وَفَضْلُ التَّزَوُّدِ:
سُمِّيَ هٰذا اليَومُ بِيَومِ التَّروِيَةِ لأَسْبَابٍ مُتَعَدِّدَةٍ، مِنْ أَهَمِّهَا مَا ذَكَرَهُ العُلَمَاءُ مِنْ أَنَّ الحُجَّاجَ كَانُوا يَرْوُونَ أَنْفُسَهُم بِالمَاءِ فِيهِ وَيَحْمِلُونَهُ مَعَهُم إِلَى عَرَفَاتَ وَمِنَى، وَذَلِكَ لِمَا بَعْدَهُ مِنَ الأَيَّامِ الَّتِي قَدْ يَشُقُّ فِيهَا الحُصُولُ عَلَى المَاءِ. وَقَد جَاءَ فِي كِتَابِ “العِنَايَةِ شَرْحِ الهِدَايَةِ” لِلإِمَامِ البَابَرْتِيِّ: “وَقِيلَ: إِنَّمَا سُمِّيَ يَومُ التَّروِيَةِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَرْوُونَ بِالمَاءِ مِنَ العَطَشِ فِي هٰذَا اليَومِ، يَحْمِلُونَ المَاءَ بِالرَّوَايَا إِلَى عَرَفَاتٍ وَمِنَى”. وَهٰذا يَدُلُّ عَلَى أَهَمِّيَّةِ الاسْتِعدَادِ وَالتَّزَوُّدِ لِكُلِّ مَا يَلْزَمُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي المَنَاسِكِ الكُبْرَى.
سُنَّةُ المَبِيتِ وَالصَّلاةِ:
يَبِيتُ الحُجَّاجُ فِي مِنَى يَومَ التَّروِيَةِ؛ اتِّبَاعًا لِسُنَّةِ النَّبِيِّ ﷺ، حَيثُ يُؤَدُّونَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ: الظُّهْرَ، وَالعَصْرَ، وَالمَغْرِبَ، وَالعِشَاءَ، وَفَجْرَ يَومِ عَرَفَةَ. هٰذا المَبِيتُ هُوَ جُزْءٌ مِنْ شَعَائِرِ الحَجِّ الَّتِي تَرْمُزُ إِلَى التَّجْهِيزِ الرُّوحِيِّ وَالبَدَنِيِّ لِيَومِ عَرَفَةَ، حَيثُ يَشْتَدُّ الدُّعَاءُ وَالابْتِهَالُ.
وَقَدْ أَمَرَنَا اللّٰهُ تَعَالَى بِأَدَاءِ هٰذِهِ الشَّعَائِرِ، كَمَا قَالَ فِي كِتَابِهِ الكَرِيمِ: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّٰهِ﴾، فَالإِتمَامُ يَشْمَلُ الأَرْكَانَ وَالوَاجِبَاتِ وَالسُّنَنَ الَّتِي بَيَّنَهَا لَنَا رَسُولُ اللّٰهِ ﷺ.
وَيُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّٰهِ رَضِيَ اللّٰهُ عَنهُ فِي وَصْفِ حَجِّهِ، أَنَّهُ قَالَ: “ثُمَّ مَضَى رَسولُ اللّٰهِ صَلَّى اللّٰهُ عليه وسلَّمَ علَى إجازَتِهِ حتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ القُبَّةَ قدْ ضُرِبَتْ له بنَمِرَةَ، فَنَزَلَ بها، حتَّى إذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ له، فأتَى بَطْنَ الوَادِي، فَخَطَبَ النَّاسَ”. وَهٰذا يُشِيرُ إِلَى التِزَامِهِ ﷺ بِالمَبِيتِ فِي مِنَى قَبْلَ التَّوَجُّهِ إِلَى عَرَفَةَ.
التَّروِيَةُ فِي وِجْدَانِ المُسْلِمِ:
يُشْعِرُ يَومُ التَّروِيَةِ الحَاجَّ بِالسَّكِينَةِ وَالاطمِئْنَانِ، فَفِيهِ يَستَحْضِرُ الحَاجُّ عَظَمَةَ هٰذِهِ الرِّحلَةِ المُبَارَكَةِ، وَيَتَأَمَّلُ فِي مَعَانِيهَا السَّامِيَةِ. وَكَأَنَّ هٰذا اليَومَ يَرْوِي ظَمَأَ الرُّوحِ قَبْلَ ظَمَأِ الجَسَدِ. وَقَدْ قِيلَ فِي الشِّعْرِ تَعبِيرًا عَنِ الشَّوْقِ لِمِثْلِ هٰذِهِ الأَيَّامِ المُبَارَكَةِ:
أَيَا حَجَّاجَ بَيتِ اللّٰهِ سِيرُوا
إِلَى مِنَىً وَمَكَّةَ وَالمَسِيرُ
فَطُوفُوا بِالبُيُوتِ وَبِالصَّفَا
وَرُوُّوا قُلُوبًا مِنْهَا العَمِيرُ
إِنَّ هٰذِهِ الأَيَّامَ الفَضِيلَةَ تُذَكِّرُنَا بِفَضْلِ اللّٰهِ عَلَينَا، وَتُعَمِّقُ فِي نُفُوسِنَا الإِيمَانَ وَالطَّاعَةَ، وَتُهَيِّئُ القُلُوبَ لِاستِقبَالِ أَعْظَمِ الأَيَّامِ، يَومِ عَرَفَةَ.
المَصَادِرُ:
* القُرآنُ الكَرِيمُ.
* صَحِيحُ مُسْلِمٍ.
* العِنَايَةُ شَرْحُ الهِدَايَةِ، لِلإِمَامِ البَابَرْتِيِّ.
* المَرَاجِعُ وَالمَصَادِرُ الإِسْلَامِيَّةُ المُعْتَمَدَةُ (مَفَاهِيمُ الحَجِّ وَشَعَائِرِهِ).
كُنْ مِفتَاحًا لِلخَيْرِ: بِمُشَارَكَتِكَ، تَفتَحُ أَبوَابًا جَدِيدَةً لِلهِدَايَةِ.
#يوم_التروية
Abdelrahman