ثقافة وفن

يواجه الحرب من أجل أمّه.. مسرحية لبنانية تبهر الجمهور الفرنسي!

لا تزال مسرحية ” mère” أي “أم” التي جمعت المسرحي وجدي معوّض بالممثلة عايدة صبرا تلقى نجاحاً باهراً على المسارح الفرنسية رغم مرور حوالي ثلاث سنوات على عرضها. في نهاية المسرحية، يقف الجمهور الفرنسي ليصفق بحرارة وانبهار للعمل المعروض بمعظمه باللهجة اللبنانية مع ترجمة مكتوبة بالفرنسية في خلفية المشهد.
هكذا أثبت الثنائي المسرحي بالإضافة إلى الممثلة أوديت مخلوف قدرة العمل المشغول بحرفية على النجاح في الخارج من دون أن تشكل اللغة عائقاً أمام الجمهور الذي تمكّن من الالتفات إلى تفاصيل السيناريو والتفاعل مع كامل الحوار.
سيناريو يبكي المشاهد ويضحكه في آن، من دون أن تتبدل حالات الممثلين وتعابيرهم ومواقفهم. “
في المسرح يمكننا أن نخترع أي شيء، لذلك اخترعت هذه المسرحية لأتمكن من خلق لحظة تمكنني من رؤية أمي على حقيقتها، لا كما فرضت عليها الظروف أن تكون”جملة يلقيها المخرج وجدي معوض في مشهد قبل نهاية مسرحيته، والتي يحضر فيها بخفة على المسرح كأنه موجود بنسختين في آن: نسخة الحاضر التي تنظر إلى نسخة الطفل منها وترى ذكرياتها متجسدة أمامها.

والذكريات هذه هي ما تبقى في عقل طفل من أم فرضت عليها ظروف الحرب اللبنانية، التي اندلعت عام 1975، بالتخلي عن حياتها في بيروت والانتقال مع أطفالها الثلاثة للعيش في باريس. أم دائمة التوتر والقلق والصراخ.

فرض عليها وحدها تحمل مسؤولية أطفالها ومحاولة البقاء قوية وهي ترى في نشرات الاخبار حارتها تدمر وتمرّ فترات من دون أن تتمكن من معرفة شيء عن زوجها. أم عليها أن تتعامل وحدها مع الصعوبات التي فرضتها عليها الهجرة تصبح سكينة المطبخ أداتها للتنفيس وقتل الوقت الذي تمضيه في انتظار موعد العودة، فتقضي معظم وقتها في الطهي. سكينة ترفعها بوجه ابنتها التي شعرت أنها تفقد السيطرة عليها وهي تكبر في مجتمع آخر وتقاليد مختلفة.
مع الوقت تراجع الأمل بالعودة إلى بيروت، واستبدل بالتسليم للقدر بالتهجير، ضاقت باريس بالعائلة بعد خمس سنوات.
الحقائب استعدت لهجرة جديدة في المسرحية يحسد معوض الذين يبقون حيث يولدون تنتقل العائلة إلى كندا وسرعان ما تمرض الأم وتموت لتدفن في يوم برد قارس جداً تتساقط فيه الثلوج.
إحدى خلاصات المسرحية الأبرز أن الهجرة لا تعني النجاة من الحرب والابتعاد عن الوطن، بل قد تقرب المهاجر منه أكثر وتبقيه ضحية حد الموت بسبب الهم والمرض.
وفي حديث لـ “جسور” تقول صبرا، والتي لعبت دور الأم ببراعة، إن المسرحية أهم أعمالها نظراً للإمكانات المتوفرة في فرنسا ولحؤول العائق المادي دون القدرة على إنتاج أعمال مشابهة في لبنان.
وبناءاً على الانطباعات التي سمعتها الممثلة من جمهورها الأجنبي، ترى أن من أسباب تأثره بالمسرحية أن هؤلاء الناس وجدوا هم أيضاً أنفسهم في المسرحية، كعلاقة الأم بأطفالها أو تحملها وحدها مسؤوليتهم، أو حكاية الهجرة وإن بظروف مختلفة. “
في المسرح يمكن أن تخترع أي شيء… لكن لا يمكنك قتل فكرة الحرب الأهلية المستمرة في لبنان”. خلاصة جديدة لمعوض تجعل الخيال القادر على كل شيء عاجزاً هو أيضاً أمام الحرب التي مزقت لبنان.
نجح وجدي معوّض بالتعاون مع صبرا بإحياء ذكرى والدته وزرعها في ذاكرة آلاف المشاهدين، من بينهم نجوم كبار في عالم التمثيل ونجح أكثر في ثقل المسرح اللبناني وأخذه بعيداً وهو ما يجعلنا نتأمل في استمرار التعاون بين صبرا ومعوض.

ولسوء حظ محبي المسرح في لبنان، المسرحية لم تعرض في بيروت بعد، وتحول صعوبات تقنية دون ذلك.
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى