عربي ودولي

طريق ضهر البيدر.. وقصة “إبريق الزيت”

ليست المرة الأولى التي تحصل فيها انهيارات وانزلاقات لطريق ضهر البيدر، الشريان الحيوي الذي يربط العاصمة بيروت بمحافظة البقاع، فمنذ بضع سنوات حصلت انزلاقات في هذا الطريق بالقرب من بلدة المريجات وفتحت تحويلة قصيرة آنذاك كما وجرى تدعيم الطريق. ويمكن القول أن قصة طريق ضهر البيدر صارت تشبه “قصة إبريق الزيت” في لبنان وسط تقاذف المسؤوليات وغياب الحلول الجدية.

موازنة هزيلة للأشغال
بداية لا بد من الإشارة إلى أن وزير الاشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الأعمال علي حمية شكا مؤخرًا من ضعف الموازنة المخصصة لوزارة الأشغال العامة التي رُصد لها حوالي 60 مليون دولار من أجل صيانة الطرق قبل مناقشة الموازنة في مجلس النواب، وهذه النسبة لا تمثل ما نسبته 20 بالمئة حتى مما هو مطلوب على مستوى الحاجة.

لا بديل والحلول مؤقتة
وتعليقًا على حال طريق ضهر البيدر قال محافظ البقاع القاضي كمال أبو جودة في حديث خاص لـ”جسور” إنه قد وجّه “تكليفًا إلى المديرية الإقليمية للأشغال التابعة لوزارة الأشغال العامة والمهندس محمد الحاج شحادة بتقديم تقرير شامل ومفصل قبل انهيار حائط الدعم الطريق في ضهر البيدر”.

وأوضح ” بناء على طلب وزارة الأشغال العامة، وحفاظًا على السلامة المرورية على الطريق منعنا سير الشاحنات منذ بدء الإنزلاقات في التربة على الطريق، ولا زال قرار المنع ساري المفعول حتى حينه”. ولكن أضاف ابو جودة “وبعد صدور التقرير اتضح لنا أن الأمر يستدعي إجراء تحقيق قضائي من النيابة العامة المالية، ولذلك قمت بتحويل التقرير للمدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم بغية التحقيق في تنفيذ عمليات الصيانة المطلوبة وبخاصة بعد تنفيذ أعمال بناء وصلات الأوتوستراد العربي “.

وتابع المحافظ أبو جودة ” يعود لوزارة الأشغال العامة الجهة المكلفة بتحديد أوزان الشاحنات التي تسير على طريق ضهر البيدر.”

وختم المحافظ “لا بديل عن طريق ضهر البيدر، أما الكلام عن اعتماد طريق ترشيش زحلة وغيره ليس عمليًا بل إجراء مؤقت لحين إتمام عمليات الصيانة المؤقتة أيضًا وإلى حين انتهاء العواصف والمطر، عندها يجب اعتماد حلول جذرية لهذه المشكلة المزمنة .”

الأوتوستراد العربي لا يحل المشكلة
وفي السياق قال النائب البقاعي السابق عاصم عراجي لـ”جسور” إن المرور على طريق ضهر البيدر يشكّل خطراً على حياة المارة” مشيراً إلى أنه “طريق الشاحنات التي تنطلق من مرفأ بيروت نحو البقاع والدول العربية كافة.”

وأضاف “حاليًا تم إيقاف سير الشاحنات مؤقتًا، وهذا يشكل صعوبة لأهالي البقاع وبخاصة أن طريق المروج – ترشيش زحلة تقفل بالثلوج.”

وعزا عراجي السبب “إلى سوء التنفيذ والتخطيط السيء لأن الطريق سرعان ما تعود إلى الانخساف مرة بعد أخرى، فالأشغال تنجز بالترقيع لا بالمعالجة الجذرية. ”

وكشف عراجي لـ”جسور” عن اجتماعات متتالية كانت قد عقدت في العام 2006 قبل بدء تنفيذ مشروع الأوتوستراد العربي، شارك فيها إلى جانب عدد من المختصين الذين طلبوا تغيير مسار الأوتوستراد لأنه يقع فوق مجموعة من الينابيع الجوفية.”

وتابع “لكن المهندس نبيل الجسر لم يقتنع حينها بالفكرة، وحصلت انخسافات في الأوتوستراد، وقال “إصلاح المشروع بحاجة إلى أسلوب تدعيم هندسي فعال وهذا مكلف جدًا.”

وأوضح النائب عراجي أن “الدولة لم تدفع حصتها للمتعهد الذي توقف عن العمل مع أن الدولة المانحة أي (المملكة العربية السعودية) دفعت ما توجب عليها من المشروع، وهذا ما منع المتعهد من إكمال وصلات الاوتوستراد فوق بلدة جديتا.”

وختم “غالبًا ما يتم تنفيذ البنى التحتية والمشاريع بشكل “بازاري” في لبنان لتعود فتخرب سريعًا، وحال المشاريع يشبه تمامًا حال الطرق والمجارير والأتوستراد العربي المفترض إنجازه بشكل متقن “.

نوعية التربة في لبنان.. والتغيير المناخي
وبدوره شرح مدير الأبحاث في المجلس الوطني اللبناني للبحوث العلمية ومدير المنصة الوطنية للإنذار المبكر الدكتور شادي عبدالله لـ”جسور”: طبيعة التربة في منطقة ضهر البيدر فقال إنها “تسهل عملية التعرية والإنجراف فهذه التربة تعرف بالطبقة الدلغانية، وهي قابلة للإنزلاق بسبب سرعة تسرب المياه إليها”.

وأضاف عبدالله “كما ويساهم التغيير المناخي في رفع نسبة المتساقطات الغزيرة جدًا التي نشهدها هذا العام ما يسبب انزلاق التربة أسفل الطريق الدولية نتيجة الطبيعة الجيولوجية الرخوة ونوعية التربة الدلغانية الطينية الموجودة في لبنان.”
ولفت إلى أن “بعض الأماكن في المنطقة تعتبر أكثر خطورة من بعضها الآخر، والمطلوب علاج جذري للمنطقة بأكملها خصوصًا بعد التغييرات المناخية التي طرأت”.

وختم عبدالله “المعالجة تكمن في عملية تصريف مياه الأمطار كيلا تتسرب تحت الطريق ويزحل من مكانه ”

التصميم الخطأ والصيانة
تعليقًا على ما تقدم قال المهندس المدني المختص في هندسة الطرق والسدود، عضو جمعية اليازا التي تعنى بحوادث السير، مارسيل منصور لـ “جسور” يعود سبب المشكل الأساسي في حركة التربة والانهيارات، إلى التصميم الخطأ منذ البداية مما يؤدي إلى صعوبة بتصريف مياه الأمطار والثلوج خلال فصل الشتاء، وبالتالي إلى تخزين المياه في التربة خلف جدران الدعم القديمة والمتهالكة تحت إسفلت الطريق.”

وأضاف منصور “لا شك أن أوزان الآليات الثقيلة والشاحنات تصيب الطرق بالضرر وتحرك التربة وتسبب ارتجاجات متتالية متأتية من الوزن المرتفع والنوعية الرديئة في تنفيذ عمليات التزفيت والتأسيس.”

وتابع “غالبًا ما تكون عمليات الصيانة الشكلية للطريق غير فعالة وغيرعلمية، مما يؤدي الى ضعف بنية جدران الدعم والطريق بشكل أساسي، هذا بالإضافة إلى تسرب المياه إلى التربة الطرية الأمر الذي يساهم في حدوث انزلاقات وانهيارات لجدران الدعم للطرق وتعرض المواطنين للخطر.”

ورأى المهندس منصور أن “الحل بالعمل على تصريف المياه بشكل صحيح على جانبي الطريق الجبلي كيلا تتسرب المياه إلى أسفله، والعمل على صيانة الطرق والمجاري بشكل دوري في موسم الأمطار وقبله.”

وأضاف “على المسؤولين عن طريق ضهر البيدر وغيره من الطرق الأساسية دراسة الطريق بشكل علمي دقيق وأخذ العبر عبر تصوير وتدوين كل ما يجري على كل قسم متآكل أو ضعيف من الطريق، تمهيدًا للمسارعة إلى صيانته وتدعيمه في المكان المناسب بسرعة وفعالية، مما يجنب الضرر الواقع على الطريق وعلى المواطن.”

شريان حيوي للزراعة والصناعة
وتكمن أهمية طريق ضهر البيدر، وفق رئيس تجمع مزارعي وفلاحي البقاع إبراهيم الترشيشي إلى أنها “شريان حيوي يصل منطقة البقاع بمنطقة الساحل والعكس، وتنقل المنتجات الزراعية الى لبنان ومصدرها الرئيسي الأراضي السورية أو الأردن أو العراق.”

وتسلك هذه الطريق صهاريج النفط التي يصل عددها الى نحو 300 صهريج يومياً ما بين مازوت وبنزين، الى جانب أسمدة وأدوية ومعدات زراعية “.

وختم ترشيشي “هناك عدة طرق تؤدي الى البقاع، منها طريق الأرز، والقبيات عكار- الهرمل، وطريق فاريا حدث بعلبك، وترشيش، وآخر من البقاع الى مرجعيون نحو الجنوب، ولكن لا بديل لطريق ضهر البيدر الأقصر مسافة والأقل كلفة.”

ودعا إلى الإسراع في “صيانة الطريق للحؤول دون انهيارها، أو تحقيق حلم البقاعيين بإنشاء نفق يربط بيروت بالبقاع أو اكمال مشروع الأوتوستراد العربي المتوقف منذ سنوات.”

“الأبحاث” تحذر
وفي سياق متصل، حذرت مصلحة الابحاث العلمية الزراعية في لبنان بدورها من أن “الأمطار التي تهطل حالياً على ارتفاع 1600 متر تؤدي إلى تشكل السيول، وفي ظل تشبع التربة في الجبال والتربة تحت الطرق بالمياه وحتى وصول درجات

الحرارة المنخفضة أوائل الأسبوع المقبل بحيث تتحول المتساقطات الى ثلوج على ارتفاع 1200 متر، وفي ظل مرور السيارات والشاحنات على الطرق المختلفة مثل ضهر البيدر وترشيش، وفي ظل غياب الصيانة منذ سنوات فإن هذه الطرق مهددة بمزيد من الإنزلاقات إن كان من التربة عن طرفي الطريق أو انزلاق التربة تحتها مما يشكل خطراً على سير السيارات والشاحنات.”

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى