عربي ودولي

آن الأوان لرونالد ريغن جديد!

تجرع الخميني سُم اتفاق الجزائر ووقع عليه مرغما، معترفا بعد ثماني سنوات من الحرب ضد العراق بـ”عدم جدوى تصدير الثورة”.

لم تكن المعارك وحدها هي التي حسمت تراجع إيران يومها عن “تصدير الثورة”. بل شكلت ضربات أميركا في عام ١٩٨٧ التي قررها الرئيس رونالد ريغان على القواعد البحرية والمرافئ ومنصات الصواريخ والثكنات الإيرانية لوقف اعتداءآت إيران على السفن المتوجهة من الكويت واليها، شكلت عاملا أساسيا. تنبّهت طهران يومها إلى تغيّر المزاج الدولي ولمستجدات سياسة الحسم والحزم ضد من يختار التأثير على إمدادات النفط وحرية الملاحة وضد كل من تسوّل له نفسه بإغلاق مضائق بحرية لها تأثيرها على الاقتصاد العالمي.

تعلمت إيران من هذا الدرس القاسي، فامتنعت مؤقتا عن محاولات سد المنافذ البحرية المؤثرة على الاقتصاد الدولي.

إلا أنّ منظمة “شباب الصومال” لحاجتها للمال ولتمويل حربها وصراعها الداخلي على السلطة، اتبعت أسلوب الحرس الثوري فلجأت الى القرصنة البحرية. ولوضع حد نهائي لقرصنتها المكلفة، شكلت أميركا تحالفا دوليا لمحاربة قرصنة شباب الصومال ووجهت لها ضربات برية وبحرية. فانتهى العالم من القرصنة الصومالية وحُلت المشكلة نهائيا.

لكن يبدو أنّ الحوثي لم يتعلم الدرس أو فهمه بالعكس. فجعل من شمال اليمن ومن ميناء الحديدة البحري قواعد لإيران تتعدى من خلالها على الملاحة الدولية بحجة مناصرة حماس في غزة. فرضي طائعا أن يضحي ببيئته وببنيته التحتية وبشعبه إرضاء لأجندة ملالي طهران.

بالموازاة، وكعادتها تضحي إيران بأذرعها خوفا من أن تتعرض جغرافيتها وأرضها لأي ضربات على شاكلة ما فعله رونالد ريغان سابقا، وتحاشيا لتحمل العواقب وما ينتج عن مسؤوليتها المباشرة. فبعد أن دمرت أجندة ايران كلا من سوريا والعراق ولبنان ومؤخرا قطاع غزة بالاشتراك مع إسرائيل، وضعت الحوثي في اليمن في فوهة المدفع ليتلقى ضربات التحالف الدولي جراء تعديه على الملاحة الدولية في البحر الأحمر، بأوامر إيرانية.

لا تستقيم حجة طهران بأنها تحاول منع إمداد إسرائيل بالسلع وتهديد الدولة الصهيونية من باب المندب، فيما حزب الله موجود على مرمى حجر من حدود العدو، سيما بعد أن كان أمينه العام قد قال سابقا بأن بـ”إمكان حزب الله استهداف ميناء حيفا وما بعد بعد حيفا”.

بيد أن لباب المندب والبحر الاحمر أجندة إيرانية مختلفة تطال اقتصاديات حوالي ٥٥ دولة، وتؤثر على جيبة المستهلك في أوروبا وفي دول حوض المتوسط وفي الأميركيتين، كما تخفض الناتج القومي لكل من مصر والسودان والأردن، وتسبب التراجع في حركة الملاحة في قناة السويس إضافة إلى الحد من السياحة الشتوية في المنطقة.

تهدف إيران الى عسكرة البحر الأحمر بهدف إلهاء العالم عن استهداف أراضيها مباشرة، وليتسنى لها التفرغ للتخصيب النووي وتطوير صواريخها البالستية بامان، ولابتزاز المجتمع الدولي بالكلفة العالية لإمدادات السلع وأجور الشحن البحري، وتحوير طرق السفن عبر راس الرجاء الصالح في جنوبي أفريقيا مستفيدة من حاجة العالم إلى المرور بالبحر الاحمر بعد تراجع حركة الملاحة في قناة باناما بسبب شح المياه فيها، وعدم قدرة الصين وروسيا بتجاوز تسهيل الملاحة في القطب الشمالي من الكرة الارضية. وكالعادة تهدف طهران لابتزاز العالم إن لم يكن بخطف الرهائن وتبادلهم فليكن عبر اختطاف البواخر وطواقمها، بهدف “إخضاع” المجتمع الدولي فيلبي طلباتها بالمليارات ويقفل معها الصفقات السياسية من بيروت إلى صنعاء .

لا تهدف إيران إلى القرصنة البحرية بحد ذاتها، إنما إلى إقفال مضيق باب المندب ما دامت واشنطن لا تستجيب لطلباتها.

قال السفير الإيراني في دمشق إن واشنطن عرضت على طهران صفقة شاملة، وبما إن إيران تريد المزيد من واشنطن ومن دول الغرب فلا بد من المزيد من الابتزاز بإعاقة الملاحة البحرية الدولية.

استفادت طهران من ضعف الإدارة الأميركية الحالية التي بادرت منذ أسبوعها الأول في سدة الحكم إلى رفع الحوثي عن لائحة الإرهاب ومنع تحرير ميناء الحديدة. ها هي اليوم تدفع غاليا ثمن ذلك. حتى ولو أنها أعادت نصيفه “إرهابيا” مؤخرا، إلا أنها “تأخرت”.

لكن الاستفادة الأعظم هي عندما أدركت طهران أنّ خطة إدارة بايدن ـ المشابهة لخطة أوباما ـ تقوم على “استرضاء إدارة بايدن لإيران” وذلك من خلال ” استراتيجية احتواء إيران والاعتراف لها بمصالحها في الخليج والجوار العربي”.

آن لواشنطن أن تعترف بأن استراتيجية “احتواء إيران” قد فشلت، وإن لم يطور بايدن ما يكفي لردع الملالي مباشرة ومواجهتهم لمنعهم من تعكير الملاحة الدولية، كما فعل ريغان، فطهران ستواصل التصعيد. فالدبلوماسية ليست من شيم النظام هناك، نظام لا يفهم إلا بـ”الردع والقوة”. لكن، من الملفت للنظر بأن المعارك الحزبية في واشنطن تحدّ من اتباع سياسة قوية ليس فقط ضد إيران إنما أيضا ضد الحوثي الذي دمر اليمن. فامتناع واشنطن عن القيام بعمليات ردع مهمة تعني بأنّ الأميركيين يدمرون أنفسهم ومعهم الاقتصاد العالمي ويعرضون الأمن والاستقرار في المنطقة لخطر “حرب شاملة” تُرى بوادرها على القواعد الأميركية والسفارات وربما في الولايات المتحدة لاحقا عبر ذئاب نائمة في الداخل الأميركي.

لم يعد يكفي فرض عقوبات وإسقاط صواريخ ومسيرات ولا حتى ضربات محدودة على قواعد الصواريخ ومخازنها وبعض الرادارات وعلى مراكز التدريب والقيادة في شمال اليمن. فذلك لا يشكل ردعا فعليا خصوصا بوجود استعداد إيراني لحرب استنزاف طويلة عبر الميليشيات.

آن الاوان لهجر واشنطن استراتيجية “احتواء إيران”، وليخرج رونالد ريغن جديد!

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى