عربي ودولي

أكراد سوريا.. بين اضطهاد الماضي ومستقبل الحل!

“هذا الرّجل يحمِلُ مفتاحَ اللّغة العربيّة في جيبِه”.. ذلكَ ما قالهُ الكاتب السوريّ أدونيس عن الرّوائي والشاعر السوريّ الكرديّ سليم بركات كذلكَ أشادَ الشاعر الفلسطينيّ الراحل محمود درويش في مناسبات عدّة كما كتب لهُ قصيدة ” ليس للكرديِّ إلّا الريِّح”.

أليسَ غريباً أنّ سليم بركات أحد أهّم القامات السوريّة الثقافيّة ليس معروفاً “إعلامياَ” على الصعيد السوريّ المحليّ أو حتّى العربيّ! مع أنّه من أكثر الأدباء السوريين والعرب إبداعًا في الكتابة باللغة العربية، حيثُ تناولت أعمالهُ الثقافة الكرديّة وتاريخ الأكراد، إضافةً إلى الثقافة العربية والآشورية والأرمنية والشركسية واليزيدية الّتي تشكّل جميعها الثقافة والهويّة السوريّة الّتي كتب عنها بركات عشرات الكُتب والمؤلّفات.

هل تمّ تهميش العديد من الأكراد في سوريا بالماضي كمَا المُبدع الكبير سليم بركات لمجّرد إنتمائهم وتعرّضوا لظلم كبير بسبب ذلك؟ هل هناك فعلاً مطالبات بالـ “الإنفصال” عن سوريا من بعض الأكراد السوريّين أم تبقى أحاديث وأقاويل؟ ماذا عن علاقة القوى الكرديةّ بالنظام من جهة وبالمعارضة السوريّة من جهة ثانية؟

ظلم وحقوق مسلوبة!

“صلاح الدّين الأيوّبي، وزير الدفاع السوريّ الأسبق يوسف العظمة الّذي وقف وحيداً برفقة مئات المُقاتلين والمتطوّعين السوريّين في معركة ميسلون عام 1920 الشهيرة، لمواجهة الإحتلال الفرنسيّ بقيادة غورو واستُشهد لأجل بلدِه حينها، أولئك كانوا أكراداً وسجّلوا اسمهم في التاريخ السوريّ. كذلك في السياسة، ساهموا بها فمثلاً كان رئيس سوريا الأسبق أديب الشيشكلي كردياً، حتّى في الفنّ الأكراد من أهمّ الفنّانين السوريّين مثل منى واصف، خالد تاجا، عبد الرحمن آل رشّي، ياسر العظمة وغيرهم الكثير في مجالات عدّة ممّن أحبّوا بلدهم وقدّموا لهُ كلّ شيء.

تلكَ أمثلَة عن أنّ الأكراد جزء أساسي من الشعب السوري، وتاريخياً ساهموا في تحولات الحياة السياسيّة والاجتماعيّة السوريّة عبر مراحلها التاريخيّة، لكِن في العقود الأخيرة نالَ الكُرد نصيباً كبيراً من ظُلم السُلطة في سوريا وطالما كانَت الكثير من حقوقهم مسلوبَة بسبب أنّهم أكراد فقط!” هكذا يصِف شيروان “الصحفي السوريّ الكرديّ المُقيم في الحسكة” واقِع وجود الأكراد في سوريا.”

ويعتبر الأكراد جزءاً أساسياً من الشعب السوريّ، ويعيش أغلبيّتهم في المدن الرئيسيّة “دمشق وحلب”، وفي شمال وغرب سوريا بمحافظات ومناطق متفرّقة مثل القامشلي والحسكة وعفرين وكوباني “عين العرب” والدرباسيّة وغيرها.

ويقول الصحفي شيروان لـ”جُسور” إنّ الأكراد تعرّضوا للقمع منذُ ستّينات القرن الماضِي وصولاً إلى سيطرة حزب البعث في السبيعينات وحتّى وقتٍ قريب، ويضيف: بدأَت قصّة الظُلم على الكُرد منذُ دولة الوحدة بين مصر وسوريا، حيثُ حُرم حوالي 250 ألف كرديّ وأكثر من الجنسيّة السوريّة في فترة الستّينات، وتزامنَت مع مجزرَة “سينما عامودا” في عام 1960، حيثُ حصَلت حريق أدّى مجزرة في القامشلي بمدينة عامودا ولقيَ إثرهَا أكثر من 280 طفل بينهم 200 ممّن لم يتجاوز عمرهم الـ 12 عاماً وكانوا بالمرحلة الإبتدائيّة، وذلك في حريق مشبوه والقصة معروفة بتفاصيلها، وإلى الآن لم يتم إجراء أي تحقيق حول هذه الحادثة! وحينها قال المسؤولون السوريون في دولة الوحدة مع مصر إنّ الحادثة “قضاء وقدر”

وإن الحريق في السينما سببه “خطأ تقني”، لكن في الواقع لم تسجّل إصابة أي عامل أوفنّي تقني بالحريق! وذلك دليل على كذبهم، إضافةً أنّ الجنود الموجودين قرب المكان لم يتدّخلوا لإطفاء الحريق وهناك شهود على أنّ أبواب السينما أُغلقت عن قصد، ورغمَ كلّ تلك الدلائل لم يجرَ أيّ تحقيق وحتّى وقتنا هذا يُطالب أهل الضحايا بفتح تحقيق.

المقصود كمثال هُنا أنّ الأكراد تعرّضوا للقمع في فترات عدّة استمرّ حتّى حُكم حزب البعث وقدوم حافظ الأسد الّذي عملَ تغييراً ديموغرافياً بمناطق الاكراد وجلب قبائل عربيّة لتحيط بهم، كذلك عرّب أسماء المناطق وبسبب حزب البعث العربيّ فرض اللغة العربيّة ومنع الكرديّة الّتي وبشكل طبيعي نتحدّث بها فطرياً كأكراد ولا نتعلّم العربية سوى للدراسة، فمثلاً منطقة كوباني جعل الأسد الأب اسمها “عين العرب” رغمَ أنّ الأغلبية من السكّان أكراد ويتحدّثون الكرديّة ونادراً ما تجِد أحد يتحدّث العربية سوى موظفيّ الدولة وأساتذة المدارس!.

حياد أم انفصال أو مع الوحدة السوريّة!

منذُ بداية الإنتفاضة السوريّة عام 2011 شاركت بعض المناطق الكُردية في سوريا بالاحتجاجات، لكِن لم تأُخذ الأحزاب الكرديّة الكُبرى موقفاً يتماشى مع الأطراف المُتحاربة سواءً النظام أو المعارضة، وذلك ما أعطَى بعداً معيناً لحالة “الحياد” الكرديّ على مستوى القيادات بالنسبة للصراع في سوريا.

لكن رغم ذلك ما زالت القوى السياسيّة الكردية السوريّة حتّى الآن في مرمى انتقاد النظام والمعارضة المُتفقّين “بشكل غير مباشر” على عدم الشراكة مع الأكراد، ويقول مصدر إعلاميّ في العاصمة دمشق لـ”جسور” بأنّ الحكومة السوريّة اعترفت بتقصيرها بالماضي مع حقوق بعض أكراد سوريا، لذلك صدر قرار في الـ 2011 لإعطاء مكتومي القيد الأكراد الجنسيّة السوريّة، وكذلك في منتصف عام 2012 كانَ هناك اتفاق “ضمنيّ وغير مباشر” بين القيادة السوريّة وقيادات الأحزاب الكرديّة، حيثُ انسحبت غالبية قوّات الجيش السوري في مناطقهم لأجل المعارك في باقي المناطق، وسيطرت تلك الأحزاب من وقتها، تحديداً حزب الاتحاد الديمقراطي الذّي كوّن مع أحزاب كرديّة أُخرى ما يعرف ب”المجلس الوطني الكردستاني”

الّذي سيطر منذ عام 2014، ويضيف المصدر: في السنوات الاخيرة بعدَ سيطرة قوّات سوريا الديمقراطية “قسد” على مناطق حيويّة بشرق الفرات، أعتقد أنّ بعض أكراد سوريا يعزّزون الشكوك حول مطالبات الإنفصال، خصوصاً أنّهم متفقون مع القوّات الأميركيّة، لذلك تدعو الدولة السوريّة دائماً لعودة أراضيها وذلكَ خلاف كبير مع قسد وما تمثّلهُ.

من ناحيته، يردّ الصحفي شيروان على تلك الاتهامات بأنّ قرار إعطاء الجنسيّة السوريّة للأكراد المحرومين منها بعد خوف النظام من تظاهر الأكراد بكثافة في الثورة السوريّة، جاءَ متأخراً لأجيال ظُلمت ولَم يسمَح لآلاف المواطنين العمل أو السفر وأحياناً الدراسة.

ويتابع: “آخر من يحقّ لهُ التحدّث عن مصطلحات مثل الانفصال والتبعيّة هم الموالون لنظام الأسد! وصحيح أنّه كان اتفاق غير مباشر مع الأخير حول انسحاب حتّى الجنود الكُرد من الجيش السوري في 2012، وذلك سببهُ أنّه عرفَ قوّة ونفوذ ووزن الأكراد في سوريا سواءً على الصعيد السياسيّ أو العسكري حتّى، وبذلك ضمن الأسد عدم وقوف الأحزاب الكرديّة مع المعارضة مقابل التواجد في مناطقهم..

ومن ناحيةٍ ثانية من يتحدّث عن انفصال الكُرد عن بلدهم الأمّ سوريا هو كلام مردود، حيثُ مناطق سيطرة قسد يوجد فيها أكراد وسريان وآشوريون وعرب وذلك مثال عن دحض ذلك الإدعاء، إضافةً إلى أنّ قسد مع وحدة الأراضي السوريّة وأبدَت موافقتها على أيّ حوار وحلّ سياسيّ سواء مع النظام أو المعارضة، والعديد من المُبادرات قدّمت لكن لم تلقَ آذاناً صاغية..

ومَن يتهّم بأن الكُرد تابعون لأميركا فهل نظام الأسد لا يتبع لإيران وروسيا الّلتين تحتلّان نصف سوريا وتنهبان ثرواتِها! وفي حالة الأكراد هناك علاقة تعاون مع قوّات التحالف الدوليّ بقيادة أميركا الذّي شكّل ضدّ إرهاب داعش الذّي احتلّ مناطق كرديّة بوقت سابق، وحينها لم نرَ قوّات النظام السوريّ تدافع عن أرضٍ سوريّة بسبب “الإرهاب” مع أنّها حاربتها في مناطق أُخرَى!”

الأكراد والمعارضة السوريّة

الأحزاب الكرديّة المسيطرة على تقريباً 20 بالمئة من منطقة شرق الفرات وفقاً لمصادر إعلاميّة، لم تكُن علاقتها جيّدة كذلك مع المعارضة السوريّة وقياداتها كالإئتلاف الوطنيّ وغيره.. وتتهّم قوى المعارضة القيادات الكرديّة بأنّها تنسّق مع النظام وتسوّق للانفصال عن سوريا وإقامة دولة فدرالية.

ووصل الخلاف إلى حدّ المواجهة العسكريّة خصوصاً بما يعرف بالعمليّة العسكريّة “غصن الزيتون” والّتي شنّها الجيش التركي على مدينة عفرين السورية الحدودية، بمشاركة “الجيش السوري الحر” ضد وحدات حماية الشعب الكردية، وصرّحت تركيّا حينها أنها عملية “لحماية أمنها القومي” وتسليم المدينة لأهلها، وذلك بحسب تعبير مسؤوليهم.

ويقول صحفيّ كرديّ سوريّ من عفرين مُقيم بالسويد لـ “جُسور” إنّ عميلّة غصن الزيتون اعتداء على أهالي عفرين وسكّانها، وقامت قوّات المعارضة السوريّة التابعة لتركيّا بقتل الأبرياء وسرقة الممتلكات واحتلال البيوت من غير وجه حقّ، ويتابع:”هجرت عائلتي من هناك ومعظم سكّان عفرين كذلك، والحقيقة أنّ كلام المعارضة السوريّة بأنّ أكراد سوريا يميلون لإعلان دولة أو انفصال أو يتعاونون مع النظام

هوَ كلامٌ غير واقعي حيثُ بتلك الإدعاءات يحاولون إخفاء تبعيّتهم المطلقة لتركيا الّتي تتحكّم للأسف بمعظم قيادات المعارضة السوريّة وتُحارب الأكراد السوريّين لأنّها تخاف من استقرارهم وتخشى قوّتهم بالمستقبل، لكن الكُرد على الصعيدين السياسيّ والشعبيّ هم سوريّون ومنتمين للثقافة والمجتمع السوريّ، ومن يروّج لخلاف عربي-كردي سواءً من المعارضة او النظام، ذلك هروب عن تولّي المسؤوليّة أمام مناصريهم الّذين ضاقوا ذرعاً بفساد قياداتهم.. ولا أدّعي أن القيادات الكرديّة ملائكة بل هناك من أساء للشعب الكردي والقضيّة الكرديّة عبر الفساد والسرقة وحتّى التطرف في بعض الأحيان”.

ويضيف الصحفيّ أنّ “المعارضة السوريّة لو قبلت الحوار مع قسد والأكراد لسقط النظام خلال أشهر قليلة وجاءَ الحلّ السياسيّ المنشود، لكن تركيّا لم ولن تسمح بذلك ومستعدّة لخوض حرب أو الحوار مع غريمهم النظام كي لا يكون للأكراد كلمة في سوريا المستقبل، لذلك الآن في الفترة الأخيرة تضرب تركيّا عبر “الدرون الحربيّ” البنية التحتيّة لمناطق عديدة في شرق الفرات، لتتضرّر شبكات المياه والكهرباء وغيرها ولقيَ العديد من النّاس حتفهم بسبب تلك الدرونات المحمّلة بمتفجرات، وذلك لسبب معروف أن يخرج النّاس من مناطقهم ويخافون.. لكِن لا أعتقد أنّ تلك المحاولات ستنفنع والكرديّ متمسّك بأرضه السوريّة وفي حقوقه الثقافية والسياسيّة في الوقت نفسه.”

تختلِف الآراء بين الأطراف المتحاربة في سوريا حول الأكراد السوريّين وقياداتهم السياسيّة والعسكريّة، وذلكَ ربّما من الأشياء “النادرة” الحدوث أن تتفق المعارضة والنظام على عدم التواصل مع الأحزاب السياسيّة الكرديّة من أجل حلٍ سياسيّ للمأساة السوريّة.

وتشير الوقائع إلى أنّ أكراد سوريا تعرّضوا للظلم بالماضي وكانوا أقرب للحياد مع بداية الإنتفاضة 2011، لكن وبسبب دخول الحالة السوريّة بمعارك وحروب لأطراف “إقليميّة ودوليّة” للسيطرة على مناطق نفوذ فيما بينهم بالتعاون مع القوى المحليّة السوريّة المتنازعة فيما بينها، أصبح الأكراد جزء من “تقاسم النفوذ” ذلك كما هم الموالون للنظام المتحالف مع روسيا وإيران أو للمعارضة المتحالفة مع تركيّا، ومن المؤكّد أنّه في المستقبل لا حلّ سياسيّاً في سوريا سيبدأ دون تأكيد الحقوق المدنيّة والثقافيّة سواء لأكراد سوريا خصوصاً والسوريّين بمختلف إنتماءاتهم .

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى