عربي ودولي

لماذا حاولت “قوى الظلام” اغتيال فخري كريم؟

في توقيت مشتبك يتعرض فخري كريم الصحفي البارز ورئيس مؤسسة المدى، ‏ومستشار ‏سابق لرئيس الجمهورية إلى محاولة اغتيال وسط العاصمة بغداد من قبل مسلحين ‏مجهولين.

رسائل حملت هذه المحاولة، وهي ليست الأولى التي يتعرض لها كريم طوال الخمسين ‏سنة ‏الماضية من عمله السياسي والثقافي، تتعلق بأمن العاصمة ومحاولات تكميم الأفواه. ‏

وجاءت محاولة الاغتيال التي نجا منها كريم مع مدير عام مؤسسة المدى الثقافية غادة ‏العاملي ‏وسائقه، في ظل نجاح أكبر تظاهرة للكتب تراعيها “المدى” في بغداد. ‏

وانتقد وزراء سابقون وسياسيون الحادث، واعتبروه دلاله على “الأمن الزائف” في ‏العاصمة، ‏فيما فتحت وزارة الداخلية تحقيقا بالحادث. ‏

من هو فخري كريم

فخري كريم احمد زنكنة (مواليد 1942)، مستشار رئيس جمهورية‏‎ ‎العراق ‏‎ ‎الأسبق بين ‏عامي ‏‏2006 و2014. ‎

انضم فخري كريم إلى الأسرة الصحفية في العراق عام (1959)، وكان حين انضمامه ‏إلى ‏نقابة الصحفيين برئاسة شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري اصغر عضو فيه. ‏

عمل في العديد من الصحف والمجلات اليومية والأسبوعية، كان من بين أبرزها ‏وأكثرها ‏تأثيرًا على نشاطه الصحفي جريدة البلاد برفقة صديق رحلته الدكتور‎ ‎فائق بطي‎ ‎الذي ‏كان ‏يتولى رئاسة تحرير الجريدة‎. ‎

كما عمل في صحف يومية وأسبوعية، ومن بينها جريدة، بالإضافة إلى صحف ‏ومجلات ‏أخرى وأصدر في أوقات وظروف مختلفة أكثر من صحيفة ومجلة عراقية وعربية‎. ‎

أسس عام 1983 في المهجر، مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي‏، ‏وأصدر عن المركز مجلة “النهج”(الفكرية السياسية الفصلية) التي تحولت إلى ‏المنبر ‏المشترك للأحزاب الشيوعية والعمالية في العالم العربي. ‏

عام 1972 كلفته قيادة‎ ‎الحزب الشيوعي العراقي‎ ‎بتقديم طلب لإصدار جريدة “الفكر الجديد ‏‏” ‏الأسبوعية وأصبح صاحب امتيازها‎ ثم أصبح مديرا لتحرير جريدة “طريق الشعب” اليومية، ‏لسان حال اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي عام 1973.

انتخب نائبا لنقيب الصحفيين عام (1970) وحتى عام (1980)، وكذلك عضوًا في ‏المكتب ‏الدائم لاتحاد الصحفيين العرب، ونائبًا لرئيس اللجنة الاجتماعية لمنظمة الصحفيين ‏العالمية. ‏

أسس “دار المدى للثقافة والفنون” عام (1994) في دمشق بوصفها مؤسسة ثقافية ‏عربية، ‏وأصدر عن الدار “مجلة المدى” الثقافية الفصلية‎. ‎

نظم أسابيع المدى الثقافية السنوية في سوريا ثم العراق، وهي فعالية عربية-عراقية يشارك ‏فيها ‏عشرات المثقفين والمفكرين والمبدعين والفنانين ومئات المدعوين من مختلف البلدان‎. ‎

انتقل إلى بغداد بعد “هجرة عمل حزبي وسياسي” دامت نصف قرن، وأصدر ‏في ‏‏2003 جريدة “المدى” اليومية ببغداد وأطلق مشروع “مؤسسة المدى للاعلام والثقافة ‏والفنون‏‏” والتي تضم فروعا في ميادين الاعلام والثقافة والفنون والإعلام والتعليم‏‎. ‎

بادر بتأسيس “صندوق التنمية الثقافية” التي قدمت الدعم لشتى الفعاليات الثقافية ‏العراقية ‏والعربية، ومدّت يد العون للحالات ‏الاستثنائية ‏للمثقفين العراقيين ومن البلدان العربية، من المرضى وغيرهم‎.

كما بادر بإطلاق مشروع “الكتاب للجميع مجانا مع جريدة” تقوم المدى بموجبها بإعداد ‏كتاب ‏شهري تطبعه الصحف الشريكة وتوزعه مجانًا على القراء. ‏

وتم إطلاق وكالة انباء المدى في مطلع عام 2012 وقناة المدى الفضائية في عام 2015.

تاريخ الاعتقالات والملاحقات

أبعد فخري كريم من “مدينة صباه‎ ‎الحبانية‎ ‎في محافظة‎ ‎الأنبار، غرب بغداد، ‏‎ ‎للمرة ‏الأولى ‏بداية عام (1959)، بتهمة سياسية ملفقة‏‎.

واعتُقل للمرة الأولى، عام (1962) مع عدد من كبار الصحفيين والكتاب والفنانين وحكم ‏عليه ‏بالسجن عام ونصف العام وتعرض إلى التعذيب الجسدي الذي كان يتعرض له ‏أي معتقل رأي حينها (صغارًا وكبارًا‏‎).

شارك كريم في الهروب الجماعي من سجن الكوت في 8 شباط عام (1963)، واستطاع ‏بعد ‏ملاحقات الوصول إلى‎ ‎بغداد‎ ‎لمواصلة نشاطه الحزبي، وظل ملاحقًا وهو في حالة اختفاء ‏دائم ‏منذ (1963) حتى عام (1970).

اعتُقل بعد هروبه من سجن الكوت واختفائه عام (1965) وأكمل مدة سجنه، ثم هرب ‏أثناء ‏إبقائه رهن الاعتقال الاحترازي وواصل العمل السّري، حيث أصدر جريدة أسبوعية باسم ‏آخر ‏وواجهة أخرى، ‏‎‎تعرض أكثر من مرة للاعتقال، واستطاع التخلص من السجن” بادعاء “‏هوية ‏غير هويته‎.

اعتُقل وهو مدير تحرير جريدة طريق الشعب اليومية، وصاحب امتياز جريدة “الفكر ‏الجديد” ونائبًا لنقيب الصحفيين، بأمر من صدام حسين الرئيس السابق للعراق، في محاولة للتركيع ‏السياسي ‏عام (1978) في إطار حملة اعتقالات وتصفيات جسدية واسعة شملت الأوساط ‏الديمقراطية ‏والقومية التقدمية وتمهيدًا لبسط سيطرة الدكتاتور‎. ‎

انتقل إلى بيروت بتكليف من قيادة الحزب الشيوعي العراقي للمساهمة في تنظيم (‏الهجرة ‏المعاكسة) وإعداد المناضلين للعودة إلى الداخل وليواصل نشاطه السياسي والإعلامي ‏والثقافي ‏أواخر عام (1978) وظل في لبنان حتى 1982 حيث تعرض لمحاولة اغتيال نجا ‏منها ‏بأعجوبة بعد أن أصيب بثلاث إطلاقات في وجهه ويده، نُقل على إثرها إلى دمشق ثم ‏موسكو ‏لمتابعة العلاج الذي بدأه في مستشفى الجامعة الأمريكية. وكانت عملية الاغتيال مدبرة ‏من ‏برزان التكريتي بأمر مباشر من صدام حسين، ونفذها عشرة مسلحين‎. ‎

وفي بيروت تعرض لأكثر من محاولة اغتيال، سقط في أحداها مرافقه الشخصي (أبو جنان)، وفي أخرى أصيب أحد أصدقاءه بجروح بليغة‎.

تعرض عام (1969) وهو في طريق عودته من الخارج (سريا) إلى محاولة اغتيال ‏إذ ‏تعرضت السيارة التي كانت تقله إلى قصف جوّي.

بعد عودته عام (2003) إلى العراق والشروع بإصدار جريدة “المدى” وإطلاق ‏‏”مؤسسة ‏المدى”، تعرّض إلى أكثر من محاولة اغتيال نجا منها، وكانت إحدى المحاولات محققة ‏لولا أن ‏الإرهابيين أخطأوا السيارة التي كانت تقله ببضعة سنتمرات، وأصيبت إحدى ‏سيارات ‏حراسته‎.

تعرض مكتبه في بغداد إلى قصف صاروخي في 2004، فأصيب مدير إدارة ‏جريدة ‏المدى بجروح، والمصادفة الغريبة أن القصف تم في ساعة ويوم المحاولة الفاشلة ‏لاغتياله في ‏بيروت بتاريخ 1982/7/28 أي عند الساعة الواحدة ظهرا‏! ‎

توقيت مريب

بالعودة إلى حادث الاغتيال الأخير فبحسب بيان “مؤسسة المدى” التي يرأسها كريم قالت إن ‏‏”مسلحين مجهولين” كانوا يستقلون مركبة (نوع بيك آب) اعترضوا السيارة التي كان يستقلها ‏كريم برفقة مدير عام “مؤسسة المدى”، غادة العاملي، وأطلقوا الرصاص وهربوا‎.

أكدت المؤسسة أن “قوى الظلام والتخلّف المسؤولة عن دمار العراق لا تريد رؤية السعادة في ‏العراق، حيث تفاعلت مع حدث ثقافي كبير مثل معرض العراق الدولي للكتاب بهذه الطريقة.” ‎‏‏وافتتح المعرض الأسبوع الماضي، ويعرض فيه على الأقل 3 ملايين عنوان. ‏

‏ ويأتي الحادث فيما تجري أجهزة في الدولة والقضاء محاولات لمراقبة النشر في العراق، ‏وسيطرة أحزاب السلطة في “الإطار التنسيقي” على هيئة الإعلام والاتصالات المعنية بمراقبة ‏وإجازة وسائل الإعلام. ‏

كما حاولت بعض الجهات ربط الحادث بعلاقة فخري كريم مع القوى الكردية، حيث تزامن ‏الحادث مع قرار قضائي بخصوص رواتب إقليم كردستان، ووصف القرار بأنه تجاوز على ‏صلاحيات الإقليم المنصوص عليها في الدستور. ‏

ونشرت المؤسسة عبر‎ ‎صفحتها في فيسبوك‎ ‎صورًا لما تقول إنها تظهر آثار الرصاص في ‏المركبة والتي كانت بحدود 11 رصاصة. ‎

وجرى الحادث في منطقة القادسية الملاصقة للمنطقة الخضراء شديدة التحصين. والقادسية ‏تضم عشرات من مكاتب ومنازل المسؤولين والأحزاب ومقرات للحشد. ‏

ووصفت المؤسسة “محاولة الاغتيال” بـ “الجبانة”، مشيرة إلى أنها تؤكد الدور المؤثر الذي ‏يلعبه رئيس المؤسسة في الحياة السياسية والثقافية والعراقية‎.

وطالبت المؤسسة الجهات الرسمية بفتح تحقيق ضد من ارتكبوا محاولة الاغتيال ومن يقف ‏خلفهم، وتقديمهم للعدالة‎.

بالمقابل وجه وزير الداخلية العراقية عبد الأمير الشمري، فجر الجمعة، بتشكل فريق عمل ‏أمني مختص للبحث والتفتيش عن العناصر الـ”إجرامية” التي استهدفت عجلة رئيس مؤسسة المدى. ‏

وشدد الشمري في بيان، على تكثيف الجهد الأمني والاستخباري للوصول إلى المنفذين ‏وتقديمهم للعدالة لينالوا جزاءهم‎.

إلى ذلك، قال هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي السابق إن تعرض فخري كريم لمحاولة ‏اغتيال شخصية يؤكد بان “الدولة منهارة ولا تستطيع الأجهزة الأمنية حماية مواطنيها”. ‏

وأضاف في منشور على منصة إكس “لا أمان في بغداد رغم ادعاءات الأمن و ‏الاستقرار الزائف”.

في غضون ذلك طالب مثال الألوسي، السياسي العراقي والنائب السابق، على خلفية محاولة ‏اغتيال كريم، ما أسماهم بـ “ملوك الخضراء”، في إشارة إلى الزعامات السياسية والمسؤولين ‏الذين يسكون المنطقة الخضراء في بغداد، بإعطاء “تفسير للاغتيالات؟”

وقال الألوسي في منشور على منصة إكس: “نريد جوابا يا ملوك الخضراء إذا أنتم حماة ‏الدولة والشعب وزعامات السلاح والمليشيات والحشد والقوات الأمنية، وإذا أنتم القضاء ‏والمدعي العام والمخبر السري وأنتم الرئاسات والبرلمان الشرعي فأخبرونا من هم زعماء ‏المخدرات والفساد وإذا مسلحوكم بكل شارع فمن يتجرأ ويخطف ويغتال الأبرياء؟”. ‏

إلى ذلك اعتبر مركز ” ميترو ” للدفاع عن حقوق الصحفيين، محاولة اغتيال رئيس مؤسسة ‏‏ “المدى” للإعلام والثقافة والفنون فخري كريم، بأنها محاولة من “قوى الإرهاب والظلام” ‏لفرض إرادتها بقوة السلاح‎. ‎

وقال المركز في بيان إن “محاولة الاغتيال هذه تؤكد أن قوى الإرهاب والظلام تخييم على ‏العراق، وتحاول فرض إرادتها بقوة السلاح وخاصة في الآونة الأخيرة، والتي تمثلت بكثرة ‏عمليات الاغتيال ومنع أنشطة فنية ورياضية في محافظات العراق‎.”

وأشار إلى أن “محاولة اغتيال فخري كريم والذي يلعب دورًا مهما في تنوير الشعب العراقي ‏من خلال مؤسسة المدى ونشاطاتها، وفي منطقة هي جزء من المنطقة المحصنة للسلطة، يقرع ‏جرس الإنذار بأن قوى الجهل والظلام قد تغلغلت في كل مفاصل الدولة وأنها قادرة على تنفيذ ‏عملياتها الإجرامية في أي مكان وزمان‎”. ‎

واستنكر المركز محاولة الاغتيال الجبانة بأشد العبارات، وطالب السلطات المختصة بالعمل ‏الجاد والسريع للتحقيق بالحادثة وإلقاء القبض على الجناة وتسليمهم للعدالة ليلقوا جزاءهم ‏العادل، وألا تكون هذه الحادثة الخطيرة مثل سابقاتها ويفلت الجناة من العقاب‎

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى