عربي ودولي
الإسم المُستعار.. حريّة السوريّين المكبُوتَة!
يبدو الإسم المُستعار هوَ “الوصفَة السحريّة” الّتي تضمَن مساحةً كبيرة للسوريّين ممّن يرغبون الحديث دونَ “ضوابِط” لوسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي وغيرها.
حيثُ ما زالت حريّة الإعلام و التعبير عن الرأي في سوريا بحالَة غياب شبه تام، وذلكَ ما يفسّر “تضارب المعلومات والأخبار” حولَ العديد من القصص الإخباريّة والصحفيّة القادمة من سوريا سواءً قبلَ عام 2011 وماحدثَ بعدهَا وحتّى الآن، وذلكَ ينطبِق على أغلبيَة الأطراف المُتحاربة بِمُختلَف إنتمائاتها وتوجّهها.
حيثُ ما زالت حريّة الإعلام و التعبير عن الرأي في سوريا بحالَة غياب شبه تام، وذلكَ ما يفسّر “تضارب المعلومات والأخبار” حولَ العديد من القصص الإخباريّة والصحفيّة القادمة من سوريا سواءً قبلَ عام 2011 وماحدثَ بعدهَا وحتّى الآن، وذلكَ ينطبِق على أغلبيَة الأطراف المُتحاربة بِمُختلَف إنتمائاتها وتوجّهها.
لماذا يفضّل الكاتِب أو الصحفي أو أي صاحب رأي سوريّ أن يختبِئ تحت ستَارَة
” إسم مُستعار”؟ ماهي الطرق والأساليب الّتي يستخدمها الكتّاب بأسمائهم الوهميّة كالرّقيب الذاتيّ وغيرها؟ ماقصّة قانون”الجريمة الإليكترونيّة” في مناطق سيطرة النظام؟ وهل الوضع أفضل في مناطق المعارضة أم هُناك أيضاً “خطوط حمراء” لكِن بصيغةٍ أٌخرَى؟!
ما أسباب التخفّي؟
(قرّرتُ عدمَ نشرِ إسمي على مواد صحفيّة مُعارضة لأي مسؤول أو قضيّة كانت، وذلكَ بعدَ رؤية أحد زملائِي الصحفيّين يتعرّض للإعتقال من الأمن بطريقة همجيّة داخل مكان عملنا بإحدى المواقع الإليكترونية الإخبارية بالعاصمة، بسبب نشرهِ تحقيقاً عن فساد وسطوَة مسؤول مُرتبط بأحد الضبّاط النافذين بالبلد! اختفَى زميلي من وقتها ولا أحد يعلم بأي سجن أو فرع وجود مذُ 8 سنوات.
لذلك الخوف يعدّ السبب الأساسي والرئيسي لاستخدام الاسم المُستعار من قبِل الصحفيّين أو الكتّاب وحتّى الأشخاص العاديّين الّذين يتحدّثون بحريّة عن مشاكل داخل سوريا خصوصاً، فالخوف ليسَ فقط من الأمن والسِجن وتلكَ الأشياء المعروفة في بلدنا، بل مِن تهديد حياة أيّ شخص يتحدّث بحريّة ومصداقيّة عن أيّ موضوعٍ كان!
لذلك للأسف تجِد أغلب المُجتمع تعوّد على التخفّي وراءَ شخصيّات عديدة بحسب محيطِهم والخوف من البوح بأرائهِم الحقيقيّة) ذلكَ مايصفُه صحفيّ سوري “عملَ لسنوات في عدّة وسائل إعلاميّة وصحفيّة، مُقيم في دمشق ويعمَل في مؤسسة صحفيّة شبه رسميّة” حولَ أسباب لجوء السوريّين إلى “خُدعة” الإسم المُستعار للتعبير عن رأيهم بعيداً عن مشاكِل المُلاحقة الأمنيّة.
وفي الحالَة السوريّة تحديداً تلقَى إمكانيّة الكتابة والنشر في مؤسسات إعلاميّة أو غيرها بأسماء وهميّة أو مُستعارة، إنتشاراً كبيراً بين السوريّين الرّاغبين بالحديث دون قيود خصوصاً للمُقيمين بمناطق النظام، ويضيف الصحفي السوري لـ “جُسور” إنّهُ يكتب بأسماء عديدة مُختلفة لينشُر كتابتهُ الحقيقيّة بكلّ موضوعيّة تحتَ غطاء شخصيّات اخترعها وأعطاها أسلوباً مُختلفاً بالكتابة، في حين أنّ عملهُ بالحياة الواقعيّة يحتّم عليه الكتابة والتحرير لمواد صحفيّة مُغايرة تماماً لقناعاتِه ويعلَم بأنّ أغلبَها “أخبار وتقارير كاذبَة”.
ويتابع “أعيش حالة تُشبه إزدواجيّة الشخصيّة، حيثُ لا أستطيع الخروج من مدينتي دمشق بسبب تعلّقي بها، لذَا سأكون مضطراً إلى مُسايرة الخطوط الحمراء في عملِي ووظيفتي الإعلاميّة، ومن ناحية ثانية أستطيع كتابَة ما أشاء بكلّ حريّة ومصداقيّة تحت إسمائي المُستعارة، لأعيش بذلِك مع شخصيّتين بداخلي.”
ما هو “الرّقيب الذاتيّ” للسوريّين؟
يضيف الصحفيّ أنّ الأمر الأهمّ بقواعد الالتزام بقوانين الإعلام الصارمة في سوريا هو أن يُجبرَ الإعلاميّ نفسهُ على الالتزام بالـ”الرقيب الذاتيّ” المعروف لدى أغلبية الصحفيّين والكتّاب السوريين وذلك منذُ سنين طويلة، منذُ سطوة المخابرات والأمن على حريّة الرأي خصوصاً للإعلام والصحافة.
وهذا الرّقيب برأي الصحفيّ موجود بداخِل كلّ سوري حتّى المواطن العاديّ عندما يصرّح للإعلام يتحدّث برسميّة وعموميّات، لكن حينَ لا تضع اسمهُ أو تشوّش على صورتِه يقول لكَ الواقع والمعلومات الحقيقيّة لأي موضوع، وذلك ينطبق حتّى على أي أحد يريد التحدّث عن موضوع بسوريا مُرتبط بأسماء مسؤولين أو فاسدين، في “سوريا الأسد” مثلاً انتقاد مدير مدرسة أطفال مثلاً يكون فاسد ذلك ممنوع
خصيصاً أنّ معظم المسؤولين مرتبطين بضبّاط أو نافذين في السُلطة، وينطبق ذلك التضييق على حريّة الرأي على وسائل التواصل الاجتماعيّ خصوصاً بعد “القانون 20 ” الّذي جعلَ حتّى بوست أو تعليق أو لايك على فيسبوك أو غيره، يعتبر جريمة “إلكترونيّة” في حال خالفَ القواعِد الموضوعَة بحسب مزاج الرّقيب الأمنيّ! بمعنى آخر يجب زرع رجُل أمن بداخل كلّ سوريّ ليصنع “فلترَة” لأرائِه حتّى لو كانَ مواطن فقير يشتكِي من ظلمٍ واضِح، يجب عليه أن يجد رقيبه الذاتيّ ولا يٌفارقه حتّى بنومِه، وإلا كان مصيرهُ مجهولاً.
وكانَ رئيس النظام السوريّ بشار الأسد قد أصدرَ القانون رقم 20 لعام 2022 الّذي ألزمَ مُخالفيه بعقوبات ماليّة باهضة بملايين اللّيرات إضافةً إلى عقوبات سجن تتراوح بين أشهر وسنين. وبحسب وكالة “سانا” الرسميّة جاء المرسوم في نصّه أنّه يهدف إلى:”مكافحة الجريمة المعلوماتية بما يتوافق مع التطور التقني الحاصل وارتفاع نسبة انتشارها في المجتمع، وحماية للمصالح القانونية وتنظيم الحريات في العالم الافتراضي والحدّ من إساءة استعمال الوسائل التقنية”.
رقابَة على المُعارضَة!
تبدو أمور حرية التعبير عن الرأي أفضل نسبياً بمناطق سيطرة المعارضة السوريّة بشمال غرب سوريا، لكِن تُشير تقارير إعلاميّة عدّة عن وجود رقابة على الصحفيّين السوريّين وذلك من قادة الفصائل المسلّحة المُسيطرَة، ويقول لـ”جُسور” الإعلاميّ صهيب الذّي يعمل كاتباً صحفياً لإحدى وسائل الإعلام التركيّة، إنّه تعرّض والعديد من زملائِه إلى مُضايقات من قادة الفصائل خصوصاً حينَ الحديث عن قضايا فساد مشبوهة مُرتبطة بأحدهم، لذلك فضّل الكتابة بإسم مُستعار للقضايا الحسّاسة بحسب وصفِه..
ويضيف “في حين نستطيع الحديث كما نشاء عن النظام السوريّ وجرائمه بحق المعارضيين والمدنيّين، نتحدّث عن أي إسم كان وأيّ قضيّة دون خوف، لكِن عندما نفعل ذلِك مع بعض قادة فصائل المعارضة العديدة والمُسيطرة نشعُر أنّ النظام ما زالَ موجوداً في نفوس بعضهم!”
وتابع “فمثلاً أنا شخصياً الآن أكتب باسم مُستعار تحقيقات استقصائّية وذلك يظلمُ إسمي الّذي بنيتهُ لسنوات لكِن يبقى الآمان الشخصيّ أهمّ من ذلك.. والسبب هو أنّي كنتُ اعمل منذُ سنتين على تحقيق استقصائيّ حول تجّار العقارات في منطقة ريف إدلب وكيفَ استولّى بعضهم على أراضي بأسعارٍ بخسَة من أهلها ومن دون وجه حقّ، وذلك واجبي المهنيّ أن أنقل معاناتهم.
لكن في أحد أيّام عملي جاءَ رجُل مسلّح تابع لقائد فرقة السلطان سليمان شاه ، محمد الجاسم المعروف بـ”أبو عمشة” والمقرّب من تركيا، وقال لي أن أنسَى نشر التحقيق لأن هناك شخصيات تابعة للأخير! لم أعطِ الموضوع اهتماماً في البداية لكِن وقُبيل نشر التحقيق بيومين وصلَ الخبر لرجال أبو عمشة الّذين هدّدوني بحياتي داخل منزلي غير مكترثين بشيء! حينها توّقفت عن النشر طبعاً وفعلتُ ما طلبوه منّي واعتذرت من إدارة الموسسة الإعلامية عن مواصلة عملِي.. ومن حينها عرفتُ أنّ الخطوط الحمراء الّتي كنّا نُعاني منها في الحياة بظلّ النظام، هيَ نفسُها عندَ بعض قادات المعارضة وفقط تتغيّر الأسماء والمحظورات بحسب كلّ طرف.
يُستخدم الإسم المُستعار للسوريين الكتّاب والصحفيّين والأشخاص العاديّين أيضاً، خصوصاً الّذين يعبّرون عن أرائهم الحقيقيّة الّتي تعرّضهم لخطرٍ ما مهمَا تتعدّد أسبابه، وذلك أسبابُه كثيرة ومُتراكمِة منذُ سنين أهمّها الخوف..لكِن ورغمَ بعض المخاطِر الأمنيّة وراءَ التخفّي تحتَ إسم مستعار، يعتقد العديد من السوريّين بأنّ ذلك يمنح “حريّة” الرأي المكبوتة الّتي تُفجّر رغبَة التعبير عن نفسهم ورأيهم لكن تحتَ إسم وهميّ.